تفسير سورة الناس وخواطر حولها للشيخ السيد محمد نوح

تفسير سورة الناس وخواطر حولها

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونصلي ونسلم على نبيه المصطفى ورسوله المجتبى ، فلله الحمد والمنة والثناء الجميل الحسن ، أكرمنا بخير رسول أُرسل ، وبخير كتاب أُنزل ..، أما بعد ..،

سورة الناس سورة مكية – عدد آياتها ست آيات وهي آخر سورة من ترتيب المصحف الشريف .

( قل أعوذ برب الناس ) رب الناس : يعني صاحب النعمة ، أي أحتمي برب الناس ورب النعمة وصاحب النعمة عليَّ وعلي الناس جميعاً ،

فمعنى قل أعوذ : أي ألوذ وألجأ وأعتصم .

( قل أعوذ برب الناس ) يعني أحتمي بمن ؟ بالله رب الناس .

( ملك الناس ) فلا تظن أن أي أنسان هو الذي يستطيع أن يفعل لك شيئاً ، فالذي يسعد ويعطي ويعين هو الله ، فهو معطي النعمة ومالكها .

( إله الناس) الذي لايعبد بحق سواه .

فأستعيذ برب كل شيء بالله الذي هو رب كل شيء من أي شيء

وكل ما سبق لماذا ؟ ( من شر الوسواس الخناس )

الوسواس أي الشيطان الذي يوسوس وهو واضع خرطومه أنفه على قلب إبن آدم كأنه يستخدم حاسة الشم مثل الكلاب البوليسية ، ويجلس يوسوس للإنسان بكل شيء و يذكره حتى في أوقات الطاعات ، فا ستعيذ بصاحب النعمة من شر الوسواس الخناس ، وفي الحديث ( إذا ذكر العبد ربه خنس الشيطان وإذا غفل وسوس )

( الذي يوسوس في صدور الناس ) فهو يركز على القلب كأن عمله مع القلوب .. لأن القلب ملك الجوارح ، فإذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله . فهو يقصد ( الملك أو الأمير ، فإذا نام وغفل الملك والأمير استطاع أن يتسلل ويهزم ما دونه فكل همه أن يبعد القلب عن أداء دوره .

( من الجنة والناس ) يعني الموسوس هنا نوعان :

1. قد يكون شيطاناً جنياً 2. أو من الإنس .

ويكون من الإنس عن طريق الإيحاء !! قال تعالى ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )

يعرض قضية على أنها خير ويزينها ، ثم يكون في آخرها شراً !! يقول المشركون أيهما أفضل الذي يذبح بيد الله أم الذي يذبح بأيدينا ؟ لاشك عندما تسمع ذلك تقول : الذي يذبح بيد الله .

من الذي أماتها لمّا تموت ؟ ( الله )

وحينما نذبحها من الذي ذبحها ؟ ( نحن )

بالله عليكم الذبيحة أفضل ونحن الذي عملناها والميتة أقبح والله عملها؟! الميتة تكون أقبح من الذبيحة من الذبيحة عندئذ في الأذهان

وهذا ما يريدون أن يصلوا إليه

فهم يبدؤن بمقدمة يجروا فيها الناس ... !! وهو نوع من

التلبيس !! نستعيذ بالله من هؤلاء وشرهم مع مراعاة ألا نخاف منهم ، ولكن نخاف رب الناس . ملك الناس . إله الناس وهو على كل شيء قدير ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )

باقي ثلاث قضايا :-

1. القضية الأولى :- بعض العلماء أنكروا الحسد .

مثل الشيخ محمد عبده وجماعته ، وأن السورة نزلت بحسب الواقعة ولم تنزل بسبب الحسد للنبي ولا شيء هذه وجهة نظرهم : قالوا الحسد يقتضي الشك في الوحي ، بينما حديث عائشة في البخاري تقول : أنه أصيب في شؤون الدنيا وليس في الوحي !! وتقول رضي الله عنها :- ( أن الذي أصابه كان في أمور الدنيا كان يخيل إليه أنه يأتي أهله ولايأتي أهله )

أي كان السحر منصباً على الدنيا :

أما الوحي قال الله عزوجل ( والله يعصمك من الناس )

وقال ( وما ينطق عن الهوى ) فالوحي لاطعن ولاشك فيه أبداً ، ومحمد صلى الله عليه وسلم – جمع بين ( البشرية والنبوة )

فأما من حيث النبوة لا ، وأما من حيث البشرية نعم .

كما قال أيضاً هو وصاحبه الشيخ رشيد رضا في حادثة الفيل ... قالوا : لا طير أبابيل ولاشيء .

وإنما هو مرض الجدري الذي أصابهم الله به ، فماتوا ، وهو شبيه بالطاعون.

ولو كان المشركون علموا ذلك الكلام والقرآن قال ذلك الكلام لكانوا أول من يكذبه لأنها حادثة واقعة أمامهم ! إنما دائماً العقل حينما يدخل مع النص يضل!!

2.القضية الثانية :- لاحظنا في هذا الجزء ( عم ) والجزء الذي سبقه (تبارك ) ، أن الجزء الذي في سورة الناس آياته قصيرة ، وجزء تبارك آياته وسط .. وقد سمع أطول قليلاً إلى حد ما .

وهذه السورة القصيرة تعالج العقيدة وترسخها في النفوس كحال السور المكية وتعالج أمور التوحيد والوحدانية !!

واللافت للنظر أول شيء في بناء الإنسان العقيدة أم التشريع ؟

( العقيدة بالطبع ) !! العقيدة أمر أساسي !

مثل بناء البيت ، بالطبع لا أبني بيتاً إلا إذا وضعت أساسه .

فالعقيدة لما تنشأ مع الإنسان وهو صغير تعيش معه وترسخ فيه وتنمو درجة درجة ، ولما تضيع منه وهو صغير تضيع تتوه معه !!

والجزء الأخير تضمن العقيدة . ولما نأتِ ونكلم أحداً في العقيدة نكلمه في شكل مطول وبه إسهاب أم إشارات ؟!!

بالطبع إشارات !! مثل الطفل الصغير لما نعطيه للحفظ

من القرآن نعطيه سورة كبيرة أو جزء أم آيات قصيرة ؟! نعطيه بالطبع سورة صغيرة أو آيات قصيرة صغيرة فيكون ذلك نوع من التشجيع والمعايشة والاستمرارية ، وفتح للشهية ؟!

أما لو أعطيناه البقرة يمل وينفر مع الوقت ويقول متى أنتهى منها وينظر في الصفحات !! فإذا حفظ عشر سور صغيرة من المائة والأربع عشر مجموع سورة القرآن ، يفرح ويهلل ويستمر فيبدأ من القصير وينتهي بالطويل .

3.أما القضية الأخيرة :- فهي أن المتأمل في هذه السور، يرى القصص القرآني في كل المظاهر الكونية إلا الإنسان ، مع أن الإنسان أفضل الخلق وأكرمهم !!

فقد أقسم الله بالليل والشمس والقمر والنهار .....!!

لماذا لم يقسم بالإنسان وأقسم بغيره من المخلوقات ؟!!

إن الإنسان لمكانته وكرامته جاء بالقسم وجاء بالقرآن كأنه لمّا يقسم له بهذه الظواهر والمظاهر الكونية يقول له ويثبت له : إن لكرامتك علىّ لفتّ نظرك إلى قيمة هذه المخلوقات .

بدليل قوله سبحانه ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كيثر ممن خلقنا تفضيلاً )

فما دام الخطاب لواحد كريم فلا داعي أن يقسم به مرة أخرى أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .

معاني الكلمات :

أعوذ : أعتصم وأستجير.

برب الناس : مربيهم ومدبر أحوالهم .

ملك الناس : مالكهم ملكاً تاماً.

إله الناس : معبودهم الحق .

الوسواس : الموسوس جنياً أو إنسياً .

الخناس : المختفي المتواري .

الجنة : الجن .

( أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس كما تقدم ، وأما شيطان الإنسان فوسوسته في صدور الناس أن يرى نفسه كالناصح المشفق ، فيوقع في الصدر من كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة ما يوقع الشيطان الجني فيه بوسوسته

وقيل : إن إبليس يوسوس في صدور الناس .

عن ابن عباس ، قال : ما من مولود يولد إلا على قلبه الوسواس ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس .

نعوذ بالله تعالى – من كيده ووسوسته .

يقول الأستاذ سيد قطب في هذا المعنى : وهذه اللفته تقوي القلب على مواجهة الوسواس فهو خناس ضعيف أمام عدة المؤمن في المعركة . ولكنها من ناحية أخرى – معركة طويلة لا تنتهي أبداً . فهو أبداً قابع خانس ، مترقب للغفلة ، واليقظة مرة لا تغني عن اليقظان ... والحرب سجال إلى يوم القيامة ، كما صورها القرآن الكريم في مواضع شتى ، ومنها هذه الصورة العجيبة في سورة الإسراء َإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً{61} قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً{62} قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً{63} وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{64} إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً{65} )

ويستطرد الأستاذ / سيد قطب

حتى قال : وهذا أكمل تصور للحقيقة القائمة عن الخير والشر كما أنه أفضل تصور يحمي القلب من الهزيمة ، ويفعمه بالقوة والثقة والطمأنينة.

فالخير إذاً يستند إلى القوة التي لا قوة سواها ، إلى الحقيقة التي لاحقيقة غيرها . يستند إلى الرب الملك الإله . والشر يستند إلى وسواس خناس ، يضعف عن المواجهة ويخنس عند اللقاء ، وينهزم أمام العياذ بالله ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
مـــع تحيـــاتـــى مهنــدس هيثـــم

» خير الناس من طال عُمُرُه وحَسُنَ عَمَلُه
» ماأجمل أن يكون الإنسان شمسا ً بين الناس
» انظروا ماذا يقول الله تعالى وماذا الناس تقول ؟؟؟